مختصر البحث:
يعد التشريع من المؤثرات التي تحكم الواقع الإنساني, وعليه تتشكل الكثير من سلوكيات المجتمع, فضلا عن ثقافته وبنيته الحضارية, وثمة تحولات كثيرةً تمر بها المجتمعات تؤدي إلى تنامي حالات التنافي الظاهري بين الدين والواقع, بسبب سوء فهم النصوص التشريعية من جه…
يعد التشريع من المؤثرات التي تحكم الواقع الإنساني, وعليه تتشكل الكثير من سلوكيات المجتمع, فضلا عن ثقافته وبنيته الحضارية, وثمة تحولات كثيرةً تمر بها المجتمعات تؤدي إلى تنامي حالات التنافي الظاهري بين الدين والواقع, بسبب سوء فهم النصوص التشريعية من جهة, وجمود الاجتهاد الفقهي من جهة أخرى, وهي ظاهرة عمّت معظم المذاهب الإسلامية، بل يعد الجمود مرحلة انتقالية أو دورية إن صح التعبير إلى بزوغ روح النقد والتجديد في إطار تفسير النصوص الدينية ولاسيما في المجال الفقهي.
يحدث ذلك التصادم بين الدين والواقع على أساس قراءة متراجعة للنص الديني بسبب عدة عوامل أهمها التباس الديني بالتاريخي, وعدم ملاحظة بعض الأحكام التي جاءت في زمان محدد, ولم تكن أحكاما مطلقة, كذلك ما يتعلق بالمنهج المتبع في قراءة النصوص الدينية, جل ذلك يُسهم في بروز مسائل فقهية لا تواكب الواقع, وبالتالي تتنافى مع فرض كونها أحكاما مطلقة تصلح لكل زمان ومكان.
وقد كانت إحدى أهم تلك المسائل هي قتل المرتد, وهو كحكم شرعي متفق عليه إسلاميا, يعد من الإشكاليات المعاصرة التي تواجه المنظومة الفقهية الإسلامية بشكل عام, ذلك أن قتل المرتد يتعارض مع مبادئ الحرية الدينية التي يدعو لها أصحاب التنوير من داخل الدين وخارجه, وعلى صعيد معالجة إشكالية قتل المرتد, فإن من العسير عقد مقاربات بين استحقاق القتل للمرتد من جهة, واستحقاق الحياة له من جهة أخرى, وعند مراجعة الأدلة الدالة على قتل المرتد اتضحت العديد من الثغرات الاستدلالية في تلك الأدلة, فما صح منها على مستوى الصدور كان يتعلق بالمرتد الذي يحارب ويعادي المجتمع المسلم أو يتسبب في وقوع مفاسد تمس البنية العقائدية والأخلاقية للمجتمع, وعليه فلا بد من التمييز بين كون المرتد يقتل لمجرد تغيير دينيه, أو يقتل لأجل حيثيات محددة صاحبت ذلك التغيير, أما القتل لأجل تغيير المعتقد فقط, فقد تمت مناقشته في ضوء الأدلة المساقة له, وأما في أن يكون القتل لأجل حيثيات محددة من قبيل محاربة المجتمع الإسلامي أو إفساده فإن القتل يكون لهتين العلتين لا أكثر.
وإلا فإن الأدلة التي تؤكد الحرية الدينية تكاد تكون متنافية مع أدلة قتل المرتد, والجدير بالذكر أن جل الأدلة التي تؤسس للحرية الدينية قرآنية.
ومن ناحية أخرى يمكن أن يثبت قتل المرتد في مرحلة زمنية محددة لها ظروفها الخاصة وهو ما يحتاج إلى الاستدلال, إلا أنه قابل للتصور على الصعيد العام.